كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا يخفى ما في هذا من الضعف، والمخالفة للسياق.
والظرف في قوله: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} منصوب بفعل محذوف، أي: اذكر، بما في الشيعة من معنى المتابعة.
قال أبو حيان: لا يجوز؛ لأن فيه الفصل بين العامل، والمعمول بأجنبيّ، وهو: إبراهيم، والأولى أن يقال: إن لام الابتدء تمنع ما بعدها من العمل فيما قبلها، والقلب السليم المخلص من الشرك، والشك.
وقيل: هو الناصح لله في خلقه، وقيل: الذي يعلم أن الله حقّ، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.
ومعنى مجيئه إلى ربه يحتمل وجهين: أحدهما: عند دعائه إلى توحيده، وطاعته.
الثاني: عند إلقائه في النار.
وقوله: {إِذْ قَالَ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} بدل من الجملة الأولى، أو ظرف لسليم، أو ظرف لجاء، والمعنى: وقت قال لأبيه آزر، وقومه من الكفار: أيّ شيء تعبدون {أَإِفْكا ءالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ فَمَا} انتصاب {إفكًا} على أنه مفعول لأجله، وانتصاب {آلهة} على أنه مفعول {تريدون} والتقدير: أتريدون آلهة من دون الله للإفك، و{دون} ظرف ل {تريدون} وتقديم هذه المعمولات للفعل عليه للاهتمام.
وقيل: انتصاب {إفكًا} على أنه مفعول به ل {تريدون} و{آلهة} بدل منه، جعلها نفس الإفك مبالغة، وهذا أولى من الوجه الأوّل.
وقيل: انتصابه على الحال من فاعل {تريدون} أي: أتريدون آلهة آفكين، أو ذوي إفك.
قال المبرد: الإفك: أسوأ الكذب، وهو الذي لا يثبت ويضطرب، ومنه ائتفكت بهم الأرض {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ العالمين} أي: ما ظنكم به إذا لقيتموه، وقد عبدتم غيره، وما ترونه يصنع بكم؟ وهو تحذير مثل قوله: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} [الانفطار: 6] وقيل: المعنى: أيّ شيء توهمتموه بالله حتى أشركتم به غيره؟
{فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} قال الواحدي: قال المفسرون: كانوا يتعاطون علم النجوم، فعاملهم بذلك لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم؛ لتلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه، وأراد أن يتخلف عنهم، فاعتلّ بالسقم: وذلك أنهم كلفوه أن يخرج معهم إلى عيدهم، فنظر إلى النجوم يريهم أنه مستدلّ بها على حاله، فلما نظر إليها قال: إني سقيم، أي: سأسقم.
وقال الحسن: إنهم لما كلفوه أن يخرج معهم تفكر فيما يعمل، فالمعنى على هذا: أنه نظر فيما نجم له من الرأي، أي: فيما طلع له منه، فعلم أن كلّ شيء يسقم {فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ}.
قال الخليل، والمبرد: يقال للرجل إذا فكر في الشيء يدبره: نظر في النجوم.
وقيل: كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تعتاده فيها الحمى.
وقال الضحاك: معنى: {إني سقيم} سأسقم سقم الموت، لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب، ثم يموت، وهذا تورية، وتعريض كما قال للملك لما سأله عن سارّة: هي أختي يعني: أخوّة الدين.
وقال سعيد بن جبير: أشار لهم إلى مرض يسقم، ويعدي، وهو: الطاعون، وكانوا يهربون من ذلك، ولهذا قال: {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أي: تركوه، وذهبوا مخافة العدوى {فَرَاغَ إلى ءالِهَتِهِمْ} يقال: راغ يروغ روغًا، وروغانًا: إذا مال، ومنه طريق رائغ، أي: مائل.
ومنه قول الشاعر:
فيريك من طرف اللسان حلاوة ** ويروغ عنك كما يروغ الثعلب

وقال السدّي: ذهب إليهم، وقال أبو مالك: جاء إليهم، وقال الكلبي: أقبل عليهم، والمعنى متقارب {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} أي: فقال إبراهيم للأصنام التي راغ إليها استهزاء، وسخرية: ألا تأكلون من الطعام الذي كانوا يصنعونه لها، وخاطبها كما يخاطب من يعقل؛ لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة.
وكذا قوله: {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} فإنه خاطبهم خطاب من يعقل، والاستفهام للتهكم بهم؛ لأنه قد علم أنها جمادات لا تنطق.
قيل: إنهم تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها، وليأكلوه إذا رجعوا من عيدهم.
وقيل: تركوه للسدنة، وقيل: إن إبراهيم هو الذي قرب إليها الطعام مستهزئًا بها.
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا باليمين} أي: فمال عليهم يضربهم ضربًا باليمين، فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف، أو هو مصدر لراغ، لأنه بمعنى: ضرب.
قال الواحدي: قال المفسرون: يعني: بيده اليمنى يضربهم بها.
وقال السدي: بالقوة، والقدرة؛ لأن اليمين أقوى اليدين.
قال الفراء، وثعلب: ضربًا بالقوة، واليمين القوة.
وقال الضحاك، والربيع بن أنس: المراد باليمين: اليمين التي حلفها حين قال: {وتالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم} [الأنبياء: 57] وقيل: المراد باليمين هنا: العدل كما في قوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} [الحاقة: 44، 45] أي: بالعدل، واليمين كناية عن العدل كما أن الشمال كناية عن الجور، وأول هذه الأقوال أولاها.
{فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي: أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون لما علموا بما صنعه بها، ويزفون في محل نصب على الحال من فاعل أقبلوا.
قرأ الجمهور {يزفون} بفتح الياء من زف الظليم يزف إذا عدا بسرعة، وقرأ حمزة بضم الياء من أزف يزف، أي: دخل في الزفيف، أو يحملون غيرهم على الزفيف.
قال الأصمعي: أزففت الإبل، أي: حملتها على أن تزف.
وقيل: هما لغتان، يقال: زف القوم، وأزفوا، وزفت العروس، وأزففتها، حكي ذلك عن الخليل.
قال النحاس: زعم أبو حاتم: أنه لا يعرف هذه اللغة، يعني: يزفون بضم الياء، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء، وشبهها بقولهم: أطردت الرحل، أي: صيرته إلى ذلك، وقال المبرد: الزفيف: الإسراع.
وقال الزجاج: الزفيف: أوّل عدو النعام.
وقال قتادة، والسدّي: معنى يزفون: يمشون.
وقال الضحاك: يسعون.
وقال يحيى بن سلام: يرعدون غضبًا.
وقال مجاهد: يختالون، أي: يمشون مشيء الخيلاء، وقيل: يتسللون تسللًا بين المشي، والعدو، والأولى تفسير يزفون بيسرعون، وقرئ {يزفون} على البناء للمفعول، وقرئ {يزفون} كيرمون.
وحكى الثعلبي عن الحسن، ومجاهد، وابن السميفع: أنهم قرءوا {يرفون} بالراء المهملة، وهي: ركض بين المشي والعدو.
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} لما أنكروا على إبراهيم ما فعله بالأصنام، ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها، فقال مبكتًا لهم، ومنكرًا عليهم: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أي: أتعبدون أصنامًا أنتم تنحتونها، والنحت: النجر، والبري، نحته ينحته بالكسر نحتًا، أي: براه، والنحاتة البراية، وجملة {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} في محل نصب على الحال من فاعل تعبدون، و{ما} في {وَمَا تَعْمَلُونَ} موصولة، أي: وخلق الذي تصنعونه على العموم ويدخل فيها الأصنام التي ينحتونها دخولًا أوليًا، ويكون معنى العمل هنا: التصوير، والنحت، ونحوهما، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: خلقكم، وخلق عملكم، ويجوز أن تكون استفهامية، ومعنى الاستفهام: التوبيخ، والتقريع، أي: وأي شيء تعملون، ويجوز أن تكون نافية، أي: إن العمل في الحقيقة ليس لكم، فأنتم لا تعملون شيئًا، وقد طول صاحب الكشاف الكلام في رد قول من قال: إنها مصدرية، ولكن بما لا طائل تحته، وجعلها موصولة أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام.
وجملة {قَالُواْ ابنوا لَهُ بنيانا فَأَلْقُوهُ في الجحيم} مستأنفة جواب سؤال مقدر كالجملة التي قبلها، قالوا هذه المقالة لما عجزوا عن جواب ما أورده عليهم من الحجة الواضحة، فتشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له حائطًا من حجارة، ويملؤوه حطبًا ويضرموه، ثم يلقوه فيه، والجحيم: النار الشديدة الاتقاد: قال الزجاج، وكل نار بعضها فوق بعض، فهي: جحيم، واللام في الجحيم عوض عن المضاف إليه، أي: في جحيم ذلك البنيان، ثم لما ألقوه فيها نجاه الله منها، وجعلها عليه بردًا وسلامًا، وهو معنى قوله: {فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا فجعلناهم الأسفلين} الكيد: المكر، والحيلة، أي: احتالوا لإهلاكه، فجعلناهم الأسفلين المقهورين المغلوبين؛ لأنها قامت له بذلك عليهم الحجة التي لا يقدرون على دفعها، ولا يمكنهم جحدها، فإن النار الشديدة الاتقاد العظيمة الاضطرام المتراكمة الجمار إذا صارت بعد إلقائه عليها بردًا وسلامًا، ولم تؤثر فيه أقل تأثير كان ذلك من الحجة بمكان يفهمه كل من له عقل، وصار المنكر له سافلًا ساقط الحجة ظاهر التعصب واضح التعسف، وسبحان من يجعل المحن لمن يدعو إلى دينه منحًا، ويسوق إليهم الخير بما هو من صور الضير.
ولما انقضت هذه الوقعة وأسفر الصبح لذي عينين، وظهرت حجة الله لإبراهيم، وقامت براهين نبوته، وسطعت أنوار معجزته {وَقَالَ إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} أي: مهاجر من بلد قومي، الذين فعلوا ما فعلوا تعصبًا للأصنام، وكفرًا بالله، وتكذيبًا لرسله إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه، أو إلى حيث أتمكن من عبادته {سَيَهْدِينِ} أي: سيهديني إلى المكان الذي أمرني بالذهاب إليه، أو إلى مقصدي.
قيل: إن الله سبحانه أمره بالمصير إلى الشام، وقد سبق بيان هذا في سورة الكهف مستوفى، قال مقاتل: فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد، فقال: {رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} أي: ولدًا صالحًا من الصالحين يعينني على طاعتك، ويؤنسني في الغربة هكذا قال المفسرون، وعللوا ذلك بأن الهبة قد غلب معناها في الولد، فتحمل عند الإطلاق عليه، وإذا وردت مقيدة حملت على ما قيدت به كما في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هارون نَبِيًّا} [مريم: 53]، وعلى فرض أنها لم تغلب في طلب الولد، فقوله: {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} يدل على أنه ما أراد بقوله: {رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} إلا الولد، ومعنى حليم: أن يكون حليمًا عند كبره، فكأنه بشر ببقاء ذلك الغلام حتى يكبر، ويصير حليمًا، لأن الصغير لا يوصف بالحلم.
قال الزجاج: هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن، ويوصف بالحلم {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} في الكلام حذف كما تشعر به هذه الفاء الفصيحة، والتقدير: فوهبنا له الغلام، فنشأ حتى صار إلى السن التي يسعى فيها مع أبيه في أمور دنياه.
قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} أي: شبّ، وأدرك سعيه سعي إبراهيم.
وقال مقاتل: لما مشى معه.
قال الفراء: كان يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة.
وقال الحسن: هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة.
وقال ابن زيد: هو السعي في العبادة، وقيل: هو الاحتلام {قَالَ يَابَنِى إِنّى أرى في المنام أَنّى أَذْبَحُكَ} قال إبراهيم لابنه لما بلغ معه ذلك المبلغ: إني رأيت في المنام هذه الرؤيا.
قال مقاتل: رأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات.
قال قتادة: رؤيا الأنبياء حقّ، إذا رأوا شيئًا فعلوه.
وقد اختلف أهل العلم في الذبيح: هل هو إسحاق، أو إسماعيل؟ قال القرطبي: فقال أكثرهم: الذبيح إسحاق، وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب، وابنه عبد الله، وهو الصحيح عن عبد الله بن مسعود، ورواه أيضًا عن جابر، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعمر بن الخطاب، قال: فهؤلاء سبعة من الصحابة.
قال: ومن التابعين، وغيرهم: علقمة، والشعبي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وكعب الأحبار، وقتادة، ومسروق، وعكرمة، والقاسم بن أبي برزة، وعطاء، ومقاتل، وعبد الرحمن بن سابط، والزهري، والسدّي، وعبد الله بن أبي الهذيل، ومالك بن أنس كلهم قالوا: الذبيح إسحاق، وعليه أهل الكتابين اليهود، والنصارى، واختاره غير واحد، منهم النحاس، وابن جرير الطبري، وغيرهما.
قال: وقال آخرون: هو إسماعيل، وممن قال بذلك: أبو هريرة، وأبو الطفيل عامر ابن واثلة، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس أيضًا، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والشعبي، ويوسف بن مهران، ومجاهد، والربيع بن أنس، ومحمد بن كعب القرظي، والكلبي، وعلقمة، وعن الأصمعي قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح، فقال: يا أصمعي أين عزب عنك عقلك، ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة.
قال ابن كثير في تفسيره: وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى يقال عن بعض الصحابة، وليس في ذلك كتاب، ولا سنّة، وما أظنّ ذلك تلقي إلا عن أخبار أهل الكتاب، وأخذ مسلمًا من غير حجة، وكتاب الله شاهد، ومرشد إلى أنه إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم، وذكر أنه الذبيح، وقال بعد ذلك {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا مّنَ الصالحين}. اهـ.
واحتجّ القائلون بأنه إسحاق بأن الله عزّ وجلّ قد أخبرهم عن إبراهيم حين فارق قومه، فهاجر إلى الشام مع امرأته سارّة، وابن أخيه لوط، فقال: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى سَيَهْدِينِ} أنه دعا، فقال: {رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} فقال تعالى: {فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} [مريم: 49].
ولأن الله قال: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فذكر أنه في الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم، وإنما بشر بإسحاق، لأنه قال: {وبشرناه بإسحاق} وقال هنا: {بغلام حَلِيمٍ} وذلك قبل أن يعرف هاجر، وقبل أن يصير له إسماعيل، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق.
قال الزجاج: الله أعلم أيهما الذبيح. اهـ.
وما استدلّ به الفريقان يمكن الجواب عنه، والمناقشة له.
ومن جملة ما احتجّ به من قال إنه إسماعيل بأن الله وصفه بالصبر دون إسحاق كما في قوله: {وإسماعيل واليسع وَذَا الكفل كُلٌّ مّنَ الصابرين} [الأنبياء: 85]، وهو: صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله: {إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} [مريم: 54]؛ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح، فوفى به، ولأن الله سبحانه قال: {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا} فكيف يأمره بذبحه، وقد وعده أن يكون نبيًا، وأيضًا فإن الله قال: {فبشرناها بإسحاق وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} [هود: 71]، فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب، وأيضًا ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة، فدل على أن الذبيح إسماعيل، ولو كان إسحاق لكان الذبح واقعًا ببيت المقدس، وكل هذا أيضًا يحتمل المناقشة {فانظر مَاذَا ترى} قرأ حمزة، والكسائي {ترى} بضم الفوقية، وكسر الراء، والمفعولان محذوفان، أي: انظر ماذا تريني إياه من صبرك، واحتمالك.
وقرأ الباقون من السبعة بفتح التاء، والراء من الرأي، وهو: مضارع رأيت، وقرأ الضحاك، والأعمش، {ترى} بضم التاء، وفتح الراء مبنيًا للمفعول، أي: ماذا يخيل إليك، ويسنح لخاطرك.